رواية سيدة الأوجاع السبعة للكاتبة رضوى جاويش الفصل الثامن (قرار)
قرار
تعالت ضحكاتها على نكاته فقد كان يتمتع بخفة ظل كبيرة، وبجانب هذا كان ماهرا بحق في صنع اطباق شهية من مكونات قليلة ومتوفرة بكل بيت، أنه بالفعل ماهر ومحب لما يفعل..
تركت الهاتف جانبا والذي أصبح سلواها الوحيدة في منفاها الإجباري ذاك واندفعت للمطبخ تصنع طبقا شهيا متبعة تعليماته، انتهت في فترة وجيزة وكانت النتيجة مبهرة مصفقة في جزل كالأطفال عند نجاحهم في صنع برج من المجسمات وبدأت في تناوله بشهية كبيرة..
كانت المرة الأولى التي تصنع فيها طعاما شهيا بهذه السرعة فدوما ما كانت تعتقد أن صنع الطعام الجيد يحتاج الكثير من الوقت والإتقان..
لقد غير لها ذاك الرجل موروثا فكريا سيطر عليها عمرا..
عادت للمطبخ وقد شعرت بالامتلاء لتصنع كوبا من الشاي، وقفت تغسل الأواني فوقع ناظرها على نافذته المشرعة والتي انفرجت في تلك اللحظة معلنة عن ظهوره ليبتسم في أريحية هاتفا: – مساء الخير..
لا تعرف لما لم تشعر أنها بحاجة للهرب منه ككل مرة تلاقيه فيها، فقد استشعرت أن مشاهدتها لفيديوهاته على اليوتيوب جعلته قريبا ومألوفا لحد كبير..
ردت في أريحية: – مساء النور، على فكرة..
لم تكمل وشعرت أنها تهورت وعليها التراجع، تنبه لكلماتها فما عاد بإمكانها إلا أن تكمل ما بدأته مستطردة: – انا جربت وصفة من وصفاتك، كانت جميلة فعلا..
ابتسم في سعادة هاتفا: – دي حاجة تسعدني وخاصة لو طبيخك زي المهلبية بتاعك، هاتبقى شهادة كبيرة..
ابتسمت في حياء شاكرة، همت بالاستئذان ليبادرها متسائلا: – انتِ لسه مش عايزة تشتغلي معايا!؟، مفكرتيش حتى في الموضوع!؟.
تلجلجت قليلا واخيرا هتفت في تردد: – بس انا مش هعرف، صدقني انا لخمة وبغرق في شبر مية، انا مش هفيدك بالعكس انا يمكن اضرك، انت محتاج حد يكون..
قاطعها مؤكدا في حزم: – انا محتاجك أنتِ..
ساد الصمت للحظة، لا تعرف لما استشعرت دبيب عجيب بذلك الخافق بين جنباتها والذي لا تنتبه لوجوده الا عند وخزات الوجع التي ادمنها!؟.
كان هو من قطع الصمت بتساؤله في لهفة: – هااا، قولتي ايه!؟.
كانت تهم بهز رأسها رفضا لكن كيف خرجت أن نعم!؟، كيف اومأت له بالإيجاب وكأنها مسحورة..!؟.
انتفض هو يهلل في فرح وكأنما فاز باليانصيب لتبتسم رغما عنها على أفعاله..
هتفت إحسان تستوقفه: – بس استنى، خلينا نقول إنها تجربة، يعني الموافقة مبدأية، ولو لقيت نفسي مش هقدر، هنسحب، اتفقنا..
هتف مؤكدا: – طبعا اتفقنا، في انتظارك عشان اوريكِ طريقة الشغل، وعشان نحضر المنيو بتاع الحلقة الجاية..
هتفت في اضطراب: – في انتظاري فين!؟.
هتف بأريحية: – هنا عندي..
هتفت في ضيق: – واضح أن عيشتك بره مصر اثرت مش بس على ذوقك فالأكل، على..
هتف يستوقفها: – إحسان هانم، مش هتكوني هنا لوحدك معايا، هيكون معانا حاتم، لانه المهندس المسؤول عن التصوير وتظبيط الصوت و الكاميرات، يعني اللي بينا هيكون لقاء عمل..
اضطربت وشعرت أنها تسرعت في إصدار الأحكام كعادتها معه هو بالذات..
هتفت تحاول تدارك الأمر: – هكون عندك امتى!؟.
أكد وقد اشرق وجهه عن ابتسامته المعتادة: – بكرة باذن الله بعد المغرب مباشرة..
هزت رأسها في إيجاب دون أن تنطق حرفا ليحذو حذوها مستئذنا وقد ارتفعت عقيرته بأغنية فرنسية ما أن ابتعد عن نافذته جعلتها تمسك ضحكاتها حتى تغلق نافذتها..
ارتفعت عقيرتها بالغناء بدورها ما أن ابتعدت لخارج المطبخ وامسكت نفسها متلبسة وهي تشدو بصوتها الشجي مقطع هاقبله بكرة، وبعد بكرة فتصنعت توبيخ نفسها واستشعرت أنه قد أصابها بعض من عدوى جنانه فانفجرت ضاحكة..
اندفع اطفالها مهرولين في سعادة ملتفين حول الأكياس البلاستيكية المتعددة التي وضعت أمامهما على الطاولة، اخذوا في فتح كل كيس على حدى، يصرخون في سعادة وهم يخرجوا ما بداخله من ملابس وألعاب وأطعمة..
كان حماد قد بعث بهم مع أحد رجاله.
هتفت ام صفية في فرحة وهي تضع تلك العباءة على جسدها تنظر إذا ما كانت تناسب قدها: – ربنا يخليه حماد بيه، منسيش حد فينا، حتى انا افتكرني بالحلو كله، والله يا صفية ربنا عوض صبرك خير..
دمعت عيني صفية في سعادة ولم تعقب فكان يكفيها ما تره اللحظة على قسمات اطفالها من فرحة لم ترتسم على وجوههم منذ زمن بعيد..
خفق قلبها في محبة لذاك الرجل الذي خرج لها من خلف حجب الغيب وضباب الحسرة ليزيح استار الوجيعة عن قلبها وينير مصابيح الفرحة من جديد بدروب حياتها..
طرقات على الباب جعلتها تنتفض في ذعر معتقدة أنه مسعد لكنها تذكرت أن ما عاد بإمكانه الصعود إلى هنا ورجال حماد مرابطون لحمايتها بالأسفل..
صرفت اطفالها بأغراضهم بصحبة امها وعدلت من هندامها لتفتح الباب وقد استشعرت أنه الطارق، ولم يخطئ حدس قلبها فقد طلت تلك الابتسامة على محياه ما أن انفرج الباب عن طلتها البهية التي أعلن قلبه الخضوع لسحرها الأثر..
تنحت عن مدخل الباب قليلا تاركة له المجال ليدخل محملا بأكياس أخرى هاتفة في حبور: – ازيك يا سي حماد..
ابتسم مجيبا: – بخير الحمد لله يا صفية، عچبتكم الحاچة..
أكدت وهي تجلس في حياء قبالته: – تسلم مجايبك وتعيش وتهادي..
كان ما يزل يمسك بالكيس الكرتوني القيم الذي كان يحمل فأمرها مشيرا: – تعالي هنا يا صفية چنبي..
اضطربت لمطلبه لكنها اطاعت في هدوء وجلست على مقربة منه على نفس الأريكة ليأمرها من جديد: – هاتي يدك..
اطاعت ومدت يدها ليخرج شيئا ما من داخل الكيس، كانت علبة من المخمل القرمزي فتحها وأخرج منها اسورة ذهبية أحاط بها معصمها في ظل صمتها وذهولها..
وجدت صوتها اخيرا فهمست بصوت متحشرج: – دي عشاني!؟.
أكد حماد في محبة: – معلوم، هو مش انتِ عروسة برضك!؟، و دي شبكتك يا عروسة..
وأخرج من نفس العلبة خاتم ذهبي وكذا سلسالا وألبسها اياهما لتدخل امها حاملة صينية عليها اكوابا من الشاي فرأت ما تتقلده ابنتها فما كان منها إلا إطلاق العديد من الزغاريد وهي تطوق صفية بين ذراعيها باكية في فرحة، تدعو بطولة العمر لحماد الذي كان يجلس منتشيا مستشعرا أنه عاد شابا في مقتبل حياته لا كهلا على مشارف الخامسة والأربعين..
خرج من بيت صفية يتطلع إلى ذاك الأحمق مسعد في صرامة والذي كان يجلس موضعه المعتاد على المقهى يكاد يموت قهرا، مفلس الا من عجزه بعد أن فقد المورد الدائم للمال، صفية، التي أصبحت اللحظة في كنف ذاك الرجل وحمايته..
دخل حماد بيته وما أن وصل لغرفة حورية حتى انحني مقبلا جبينها في حنو، ابتسمت في سعادة وقلبها يترنح وجعا فقد أدركت بحدسها الذي لا يخطئ ابدا أنه كان هناك، بصحبتها، سألته في نبرة مشاكسة رغم الوجيعة الناخرة لروحها: – كنت عند صفية!؟.
ابتسم حماد ولم يفصح، وما كان بحاجة له أن يفعل، تلك الابتسامة التي ارتسمت على شفتيه أجابت وافصحت عن الكثير، ابتسامة ما ارتسمت على تلك القسمات الخشنة من دهر غابر..
ربت على كفها وأمر الخادمة باستدعاء أخته سعدية وابنته هناء، توجست حورية فسألت في قلق: – عايزهم ليه!؟.
هتف حماد في حزم: – هتعرفي دلوجت، متجلجيش..
مثل كلتاهما أمامه ليهتف فيهما حماد بكل صرامة وبنبرة واثقة: – انا هتچوز عن جريب، وصفية هتاچي تعيش هنا هي وامها وعيالها في الشجتين اللي فوج..
هتفت سعدية متصنعة الصدمة: – هتتچوز!؟.
وتطلعت لحورية هاتفة في حنق: – وانت يا حورية!؟، عادي الكلام ده وعچبك!؟.
هتف حماد في حزم: – ملكيش صالح بحورية وخليكي معاي، اللي بجوله يتسمع، هي هتاچي واهلها، مش عايز اي مشاكل معاها من اي نوع، هي فحالها وانتوا فحالكم، اديني بلغتكم عشان محدش يلوم الا حاله بعد كده..
هتف سعدية في غيظ: – كل ده عشان السنيورة!؟، والله واتركنتي ع الرف يا حورية واللي كان كان..
صرخ بها حماد: – سعدية!، كلمة زيادة وصبري هاينفد..
اندفعت سعدية في حنق ملوحة بكفها في ثورة: – على مهلك طيب، اديني غايرة ولا ليا دعوة لا بيك ولا بيها، ربنا يهني سعيد بسعيدة..
كانت هناء تقف في صمت مقهورة لا تقو على النطق بحرف في حضرة ابيها الذي كان يكفيها أنه لم يعاقبها على فعلتها السابقة مع صفية..
هتف حماد بها: – هناء..
انتفضت متطلعة إليه ليستطرد في حنو: – متعوميش على عوم عمتك..
هزت رأسها في طاعة ليأمرها بالانصراف لتندفع مهرولة صوب حجرتها ليعاود حماد الجلوس جوار حورية رابتا على كفها الذي يحتضنه بين كفيه في امتنان..
قررت قطع إجازتها والعودة لعملها الذي تركته طائعة رغبة في مرافقة كمال أطول فترة ممكنة فقد تحقق حلمها في الزواج منه، لكن ها هي تعود إليه مرة أخرى بعد أن خذلها من تركت العالم بأسره رغبة في قربه..
دخلت لمكتبها الذي كان يضم عدد لا بأس به من الزملاء..
هتفت احداهن في صدمة: – معقول!؟، شوفوا مين رجع يا جماعة!؟.
ابتسمت في مودة ملقية التحية وهي تجلس على مكتبها لتبادرها زميلة أخرى ساخرة: – ايه يا نجوى!؟، زهقتي ولا ايه!؟، ولا كمال اللي زهق وسابك اخيرا ترجعيلنا!؟.
هتفت ضاحكة في سخرية: – من ناحية أن كمال سابني، فهو سابني خالص، احنا أطلقنا..
ساد صمت لبرهة قبل أن تهتف إحدى زميلاتها: – لا حول ولا قوة الا الله، معقول انتِ وكمال!؟، ده انتوا كنتوا قصة حب المؤسسة كلها كانت بتتحاكى بيها!؟.
تماسكت نجوى بقوة جبارة قبل أن تهتف مدعية قوة لا تملكها بالفعل: – الحمد لله على كل حال..
دخل في تلك اللحظة احد الزملاء المعروف عنه جرأته وقد وصله الخبر من إحدى الزميلات الموجودات فرمقتها نجوى بنظرة اخرستها لكن هو أدرك المغزى من وراء نظرتها تلك وانحنى على مكتبها هاتفا في صفاقة: – والله ده انتِ بقيتي فنعمة ومش حاسة بيها، عارفة، كل الستات اللي قاعدة دي حاسدينك..
هتفت احداهن في تأكيد: – صدقت يا خويا، بلا رجالة بلا هم..
ابتسم لإثباته وجهة نظره هامسا لها: – وبعدين والله هو اللي خسران..
ازدادت نظراته جرأة مستطرد بنبرة ماجنة: – خسران بجد..
هتفت نجوى في ثقة وبصوت حاد: – حضرتك ممكن تتفضل على شغلك، وتسبني اشوف شغلي!؟.
ابتسم في صفاقة وابتعد عن مكتبها متجها لمكتبه في بطء مستفز ونظراته تحاصرها في ذهابها وإيابها، وما أن انتهى اليوم حتى اندفعت تغادر مقر العمل هربا من حصاره..
كانت تقف على الرصيف المقابل لمدخل المؤسسة لتبصر كمال خارجا وبصحبته تلك الحقيرة التي إلتحقت بالعمل بعد أن تركته هي، ليتها ما تركت عملها رغبة في اسعاده فلربما لو كانت هنا لكانت استطاعت إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنها كانت بعيدة تعيش أحلاما وردية واستيقظت مذعورة على واقع ألعن مائة مرة من ألف كابوس، غضت الطرف عن محياهما الطاعن لأنوثتها الذليلة وأدارت رأسها بعيدا عن محياها مخفية عيونها الدامعة خلف منظارها الشمسي حتى غادرا..
لكنها انتفضت موضعها ما أن باغتها ظهور أحدهم موقفا سيارته قبالتها، ظنت أنه زميلها الأخرق ذاك والذي كان يعتقد أنها لمجرد طلاقها فذاك سيجعلها لقمة سائغة سهلة المنال، لكنه كان سالم، الصديق المقرب لكمال، ترجل من العربة واقفا جوارها هاتفا في نبرة حاول أن يكسوها بلطف: – ازيك يا مدام!؟، اتفضلي اوصلك، الوقفة هنا صعبة عشان تلاقي مواصلات والدنيا زحمة قوي عليكِ..
هتفت دون أن تتطلع نحوه: – متشكرة قوي يا استاذ سالم، مفيش داعي تتعب نفسك، انا مرتاحة كده..
هتف سالم بنبرة متحسرة: – أنتِ ليه بتصديني كده يا مدام نجوى!؟، انا والله ما طالب الا كل خير..
تطلعت إليه من خلف منظارها متسائلة في ريبة: – قصدك ايه!؟، هو كمال بعتك تقولي حاجة!؟.
هتف سالم في حنق: – يا دي كمال، انسيه بقى وعيشي حياتك زي ما هو عايش حياته ومحدش فارق معاه، وبعدين هو اللي خلق سي كمال ده مخلقش غيره يعني!؟.
هتفت نجوى ممتعضة: – هو فيه ايه بالظبط!؟.
هتف بنبرة متوسلة: – فيه سالم، سالم اللي يتمنى لك الرضا ترضي، واللي من يوم ما شافك وانتِ مفارقتيش خياله ولا لحظة واحدة..
اضطربت ونظرت إليه ذاهلة لا تدرى ما عليها فعله لكنها تمالكت أعصابها اخيرا وهتفت به في حنق: – انت بتقول ايه!؟، انت شكلك اتجننت..
أكد في إصرار: – ايوه مجنون بيكِ وأقسم لك لو طلبتي لبن العصفور هيكون عندك بس حني عليا واقبلي تتجوزيني..
لم تحر نجوى جوابا فقد اندفعت هاربة من أمامه لداخل الحافلة التي انقذها وصولها في اللحظة المناسبة..
تنهدت في اضطراب فقد حانت اللحظة للذهاب لجلسة علاجها الكيماوية، كانت الآلام لا تحتمل لكنها تعلم أنها ستحتمل من أجل ولدها وأبيها وكذا نفسها، شفاءها لم يعد أمنية، شفاءها اللحظة ضرورة فلا عودة لطفلها لأحضانها بلا شفاء، لا عودة لحياتها دون أن تبرأ من ذاك الوحش الضاري الذي يفتك بخلاياها وهي ستكون الاقوى ولن تدعه ينتصر ابدا..
دخل بتلك اللحظة لحجرتها يرفع منظاره الطبي في رزانة هامسا وعلى شفتيه ابتسامة مطمئنة: – جاهزة يا أمل!؟.
اومأت في إيجاب هاتفة في عزم: – جاهزة يا دكتور عبدالرحمن..
أومأ لها موافقا وخرج من الغرفة في انتظارها لتتبعه لتخرج هاتفها المحمول تخط على شاشته بضع كلمات سريعة..
كلنا على حافة الوجع سواسية لا فضل لمجروح على اخر إلا بنضال قلبه لتجنب الهاوية ، ضغطت زر النشر تاركة الهاتف جانبا قبل أن تنهض في وهن باتجاه غرفة الجلسات..
كان يرافقها متعجبا من إصرارها وقوة عزيمتها، هي امرأة من نوع آخر، امرأة لا تقهر..
عاد بها لغرفتها وقد بلغ منها الإرهاق مبلغه، تمددت على فراشها لتندفع شيرين كالريح لداخل الغرفة هاتفة في اعتذار: – اتأخرت عليك يا أمل سامحيني بس اصل الباشا طليقك..
ابتلعت شيرين لسانها ما أن أدركت وجود الدكتور عبدالرحمن، الذي تنحنح في اضطراب رافعا منظاره الطبي لأعلى أرنبة أنفه كلما استشعر حرجا ما..
هتفت أمل في ذعر وقد نسيت وجود عبدالرحمن بدورها: – فيه حاجة حصلت لسليم..!؟، انطقي يا شيرين..
أكدت شيرين مطمئنة تربت على كفها في محبة: – لا يا حبيبتي متخافيش، سليم زي الفل، وقالي سلميلي على ماما لما عرف اني جاية لك، بس اصل أمجد أتأخر شوية في النزول ومقدرتش انزل الا لما اطمنت علي سليم عشان اجي اطمنك..
تنهدت أمل في راحة ليهتف عبدالرحمن في فضول ليس من عادته: – هو سليم ده يبقى ابنك!؟.
تنبهت أمل اخيرا لوجوده فتطلعت إليه في صدمة ليستطرد هو بعفوية كانت غريبة على نفسه: – انا كمان عندي ولدين، ربنا يخليهولك..
ساد الصمت لينسحب لخارج الغرفة في هدوء مستئذنا..
هتفت شيرين في شقاوة كعادتها: – يا خسارة اهو طلع متجوز وعنده ولدين، ايه الحظ ده بس!؟.
لم تكد تنهى جملتها حتى استأذن عبدالرحمن من جديد وقد نسي في غمرة اضطرابه أحد أدواته الطبية جوار فراشها فعاد لأخذها وما أن هم بالخروج من جديد حتى هتف في مرح لشيرين: – على فكرة، انا مش متجوز..
واندفع للخارج لتشهق شيرين في صدمة فقد أيقنت أنه سمعها بينما انفجرت أمل ضاحكة على هيئة شيرين التي جلست على طرف الفراش تدعي الانهيار وهي تضع كفها على صدرها في هيام..
كانت تشعر باضطراب رهيب فهي المرة الأولى التي تظهر بها أمام كاميرا، لقد كانت تكره التصوير من الأساس ولا تعرف كيف تتصنع الأوضاع التي تظهرها بأفضل صورة، الأن مطالب منها الظهور أمام مئات الألاف والمفترض أن تبدو واثقة قادرة، كيف لها ذلك!؟.
شعر عبدالغني بما يعتريها فأقترب منها في هدوء هامسا: – متشيليش هم حاجة، اعتبري انك فمطبخك ومتركزيش مع الكاميرا أو الناس..
هزت رأسها في محاولة لإطاعة أوامره الهامسة قبل أن يعطي لحاتم إشارة البدء..
بدأ في الترحيب بكل متابعيه ودعوتهم لمشاهدة تتر المقدمة قبل أن يقدم لهم مفاجأة رائعة..
انتهى التتر في لحظات وما كانت استوعبت أنها ستكون المفاجأة التي وعد بها جمهوره، اي مفاجأة في ظهور امرأة مضطربة تتلعثم الأحرف على شفتيها توترا!؟.
هتف عبدالغني في مرح: – النهاردة محضر لكم مفاجأة، كان للصدفة دور كبير في اني اتعرف عليها..
اقدم لكم، احسن واحدة كلت من أيدها طبق مهلبية، حاجة كده وهم، انا شخصيا حاولت اخد سر الوصفة بس مقدرتش، واخيرا اقنعتها تحضر معايا عشان خاطركم وتعمل قدامنا كلنا المهلبية، وهتدعولي بجد، اقدم لكم، مدام إحسان الدمنهوري..
تقدمت إحسان حتى أصبحت بالقرب منه لتظهر بكادر الشاشة، وبدأت في الترحيب كما علمها، وشرح مكونات الطبق..
كان عبدالغني يتدخل بين لحظة وأخرى ملقيا واحدة من نكاته محاولا امتصاص توترها الذي كان يستشعر ذبذباته القوية حتى بدأت تهدأ قليلا وتتصرف ببعض من ثقة..
حاولت فعلا أن تتناسى أنها أمام كاميرا تخضع لتقييم المشاهد الذي قد لا يستسيغ وجودها في برنامج محبوب يقدمه شخص محبب خفيف الظل كعبدالغني..
انتهى العرض اخيرا ليصفق عبدالغني في جزل وهو يتناول ملعقة من المهلبية التي لم تكن قد بردت بعد مداعبا: – والله ما قادر اصبر، طعمه فكل حالاته ملوش حل، هتفتكروا اني ببالغ، طيب جربوا وشوفوا وهتقولوا اني عندي حق..
يالاه انزل يا باشمهندس بهاشتاج أن جيتوا للحق غنوة عنده حق، عايزين نبقى ترند..
قهقه حاتم من خلف الكاميرا وابتسمت إحسان في رزانة ليختتم عبدالغني الحلقة بتلويحه للشاشة وهو يحتضن صحن المهلبية يتناول منه في هيام حتى غاب عن كادر الشاشة وعلت موسيقى التتر..
تنهدت إحسان في راحة فها قد انتهت الحلقة على خير تطلعت نحوه تشكره فوجدته يجلس على أحد المقاعد بالقرب وما يزل يحمل طبق المهلبية يتناول منه في استمتاع حقيقي..
اقتربت منه باسمة وهمست: – الحلقة خلصت، ليه تاكل المهلبية دلوقتي!؟ استنى حتى لما تدخل التلاجة..
كان قد أنهى الطبق بالفعل متنهدا في لذة هاتفا: – تبقى تبرد على راحتها فبطني..
انفجرت ضاحكة، كانت ضحكة منتشية تفرغ فيها كل ذاك الضغط الذي تعرضت له خلال الحلقة..
تطلع إليها في ذهول، كانت المرة الأولى التي يراها بهذا الانشراح فدوما هي المتحفظة الرزينة، لكن ضحكتها الرنانة تلك أظهرت له وجها آخر غائب تماما عن السطح الهادئ، هذه المرأة كالبحر، هادئ للناظرين لكن أعماقه تمور بالأعاجيب، وهو قبطان مخضرم، ومن غيره يعرف كيف يتحمل تقلبات البحر ويسوسه!؟.
تنبهت لنظرته الذاهلة فعاودها اضطرابها لتستأذن في عجالة مغادرة لتتقوقع من جديد بين جدران شقتها الباردة الا من نافذة مطلة على مطبخه..
اندفعت هناء لداخل شقة عمتها هاتفة في حنق: – انت هتسبيه يتجوزها يا عمتي!؟، عادى كده هنوقف نتفرج وهي جاية تعيش وسطنا بعيالها وامها وتقهر امي الغلبانة..
هتفت سعدية في غيظ: – ياختي امك الموضوع چاي على هواها، انا مش عارفة ستات ايه دي اللي رايحة تچوز چوزها!؟.
هتفت هناء في غيظ مماثل: – يعني خلاص، مفيش فايدة!؟، اللي اسمها صفية دي هاتيجي ومش هانقدر نمنعها!؟.
أكدت سعدية في خبث: – بقى انتِ تعرفي عن عمتك كده!؟، انا لازما احفظ لك حجك يا غالية، إذا كان ابوكِ مبيفكرش الا فروحه، عمتك همها مصلحتك جبل اي حد، يا مرت ولدي..
انتشت هناء في بلاهة مراهقة في السابعة عشرة تنال استحسان أم زوجها المستقبلي الذي ظهر اللحظة يتثاءب في تكاسل خارجا من غرفته..
هتفت سعدية ما أن شعرت بخجل هناء لظهور عماد فضحكت في تصنع هاتفة: – انت صحيت يا عين امك!، اما اروح اعمل لك كباية الشاي واظبط لك الفطور..
هتف عماد متعجلا: – بسرعة يا ماما احسن اتأخرت..
اختفت أمه داخل المطبخ ليقترب عماد من ابنة خاله هامسا في نبرة ماجنة: – ايه الحلاوة دي!؟.
ارتجفت هناء في سذاجة وقلبها ينتفض بين اضلعها تملس بكفيها على ردائها هامسة: – عجبك الفستان بجد!؟.
همس من جديد في نجوم: – الفستان وصاحبة الفستان..
كانت نظراته كلها رغبة صارخة اولتها هي أنها نظرات محب ملهوف على الاجتماع بمحبوبته..
واستطرد بنبرة متحشرجة تكسوها الشهوة: – مش هتحني عليا بقى..!؟
ابتعدت عنه قليلا ما أن استشعرت اقترابه المحموم منها هامسة في تلعثم: – لما تيجي تكلم بابا!؟.
هتف في خيبة وهو يدعك فروة رأسه بأطراف أصابعه: – بابا!؟، طيب..
وارتفعت عقيرته متسائلا وهو يتجاهل وجودها منقلبلا حاله للنقيض تماما وقد اندفع للداخل: – فين الفطار والشاي يا ام عماد!؟.
خرجت سعدية من المطبخ لتجد هناء تقف متعجبة من حال ابن عمتها الذي ملك قلبها منذ نعومة أظافرها فهتفت بها مطمئنة: – متجلجيش، سيبي الموضوع بتاع البت صفية دي على عمتك وانا هعمل الواچب وزيادة، والواد طليجها ده موچود وبچوز چنيهات يعمل اللي احنا عاوزينه..
اومأت هناء برأسها في طاعة واستأذنت لتعود لشقتها تاركة سعدية تقوم بالمطلوب كله..
تمددت على فراشها وكل ما جرى من أحداث يعاد أمام ناظريها بتواتر بطئ لتحلل كل شاردة وواردة..
الكل يعتبر أنها تحللت من كل اخلاقياتها ما أن انحل رباط الزوجية الذي كان يربطها بكمال، وكأنما وازعها الأخلاقي هذا وثيق الصلة بكونها على زمة رجل من عدمه..
تنبهت من خواطرها على صوت وصول اشعار على هاتفها، مدت كفها في تثاقل تتناوله تستطلع من المرسل، تنهدت في حنق زافرة أنفاسها وهي تتطلع للرسالة والتي على الرغم من عدم تسجيلها لرقم مرسلها إلا أنها استطاعت استنتاج شخصه بسهولة، كان موافي زميلها الملقب بالمتحرش، فما من إمرأة بالمؤسسة سلمت من كلماته أو نظراته الجريئة، لا تعلم كيف استطاع الحصول على رقم هاتفها لكن هذا اقل ما كان يؤرقها اللحظة، كلماته المسمومة التي تقرأ هي شاغلها الحقيقي، ما أنتِ بتعرفي تقفي مع رجالة وتتكلمي معاهم ع الرصيف وقدام باب المؤسسة عيني عينك، اومال معايا انا مش طايقة لي كلمة ليه!؟.
بالتأكد رأها مع سالم، وسالم هذا قصة أخرى..
تذكرت كلمات كمال عندما علم أنها كلمت سالم لإقناعه بالعدول عن طلاقها، أخبرها أن سالم أو اي رجل لم يكن ليطيق النظر إليها وأنها تتهمه زورا، ابتسمت في سخرية تتمنى لو كان كمال هنا للحظة حتى يرى كيف كان سالم هذا يتذلل من أجل سماع موافقتها على الزواج به وهو ذاك الرجل الذي ما استطاعت امرأة الحصول على قلبه وجذبه لعش الزوجية وهذا بشهادة كمال نفسه عندما كان يحدثها عنه، كان ثريا ذو مال وافر ووحيدا لا عائلة ولا زوجة..
فكرت قليلا، ولما لا!؟، لم لا تفكر في عرضه!؟، ابتسمت في راحة وقد استشعرت للمرة الأولى منذ زمن بعيد أنها بدأت تستعيد ثقتها بنفسها كأنثى بعد أن فقدتها تدريجيا من كثرة الانتقادات التي تعرضت لها طوال حياتها مع كمال والتي تعلم علم اليقين أنه كان لها يدا عليا في نيلها، لقد انتهى عصر العيش في دور الضحية المغلوبة على أمرها وجاء عصر المكاشفة ومصارحة النفس بنواقصها، وها هي تفعل!؟، لكن على كل من له يد فيما ألت إليه حالها اليوم أن يدفع الثمن غاليا..
ارتفعت الزغاريد الواحدة تلو الأخرى متعاقبات في فرحة من حلق ام صفية التي ما كانت تصدق ان ابنتها خطت بأقدامها بيت حماد اخيرا..
كانت سعدية وعماد ومن خلفهما تقف هناء على نهاية الدرج في انتظار صعود العروسين..
مصمصت سعدية بشفتيها فما كانت تتوقع أن ترى أخيها بهذه الفرحة لكنها امتعضت ما أن طالعها محيا العروس التي كان تشع حسنا ما أثار حنقها واشعل نار الحقد بداخلها، تلعن ذاك الأحمق مسعد الذي لم يقدم على ما اتفقا عليه، تراه اين ذهب ذاك المغفل!؟، كانت مخطئة أن أعطته المال ليفعل به ما يحلو له قبل أن ينفذ اتفاقهما كاملا..
تنبهت عند وصول حماد وصفية بالقرب من عتبة شقتها لتتصنع الابتسام مهنئة في نبرة مفضوحة تقطر غلا: – ألف مبروك يا خويا، ربنا يتمم لك على خير يا غالي..
واطلقت زغرودة أشبه بنعيق بومة شؤم بيوم حداد..
ربت حماد على يد صفية التي كانت تتأبط ذراعه مستئذا للدخول لشقته والاطمئنان على حورية قبل الصعود لعشهما فأومأت برأسها في تفهم..
دلف حماد لشقته دافعا باب حجرة حورية التي كانت تتصنع النعاس لكن ما أن انحنى مقبلا جبينها الا وفتحت عيونها متطلعة نحوه في عشق فاضح..
ابتسم لها في محبة هامسا: – مكنش ينفع اچي ومطلش عليكِ..
هزت رأسها وهمست محاولة كبت وجيعتها المرة: – تسلم دخلتك عليا يا حماد، ربنا ما يقطعها ابدا..
انحنى من جديد مقبلا إياها لتهمس دافعة إياه عنها في رفق مازحة: – روح بقى يا حماد، زمان العروسة مستنياك..
همس بها حماد: – اچبهالك تحب على راسك..
انتفضت هاتفة: – لااا..
تنبهت لنبرتها المزعوجة فلطفت منها هاتفة: – مش وقته، الايام جاية كتير، روح يا حماد عشان خاطري..
ربت حماد على كتفها ممتنا وابتعد في هوادة تتطلع إليه في كل خطوة يخطوها مبتعدا وكأنما سكين تالم يمزق ثباتها وقدرتها على الصمود أمام ذاك الوجع والتي كانت تعتقد أنها تمتلكها..
خرج اخيرا مغلقا خلفه بابها لتشهق في وجيعة تضع كفها على فمها في محاولة لوأد أنات الصرخات التي كانت تختنق بجوفها مستعرة..
سال الدمع السخين من مقلتي عاشقة عاجزة عن رؤية حبيبها يزف لامرأة سواها برضاها المجبور وموافقتها المرغمة..
لم تشعر الا وهي تضم قبضتيها في قوة ضاربة بهما جسدها الميت عن أي إحساس تتمنى لو يدب فيه الألم لتتأكد أنها ما تزل حية وأنها ما زالت امرأة، لكن هيهات، فكل تلك اللكمات التي سددتها لجثتها لم تؤت ثمارها، ارتفعت قبضتها تضرب صدرها في قوة تهتف باكية مخاطبة قلبها النابض: – وانت مبتمتش ليه!؟ موت بقى وريحني، مووت..
وانفجرت باكية من جديد..